إنَّ
من الأحرف المشبهة بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، ويفيد التوكيد، نحو: [إنّ خالداً مسافرٌ]. (انظر الأحرف المشبهة بالفعل)
-
إذا دخلت على مبتدأ مقترن بلام التوكيد زُحلِقت اللام فأُخِّرت وجوباً، سواء كان ما تُزَحلَق إليه اسماً، نحو: [إنّ زهيراً لمسافر]، أو فعلاً مضارعاً، نحو: [إنّه ليحب العلم]، أو فعلاً ماضياً جامداً، نحو: [إنّه لنعم التلميذ]. وقد يتقدّم خبرها وهو شبه جملة، فلا تتقدّم اللام معه، بل تظل على تزحلقها فتلزم اسمَ [إنّ] المؤخّر، نحو: [إنّ في النفس لَتساؤلاً].
-
قد تُخّفَّف فيقال: [إِنْ]، فتُهمَل عندئذٍ فلا تعمل، ويؤتى في الكلام بعدها - وجوباً - بلامٍ تسمّى اللام الفارقة نحو: [إنْ خالدٌ لَمسافرٌ] و[إنْ كاد زيدٌ لَيَهْلِكُ] و [إنْ نظنه لَمن المسافرين] و[إنْ سالمتَ لعدوّاً].
* * *
نماذج فصيحة من استعمال [إنَّ]
· ]إنّ ربي [ (إبراهيم 14/39)لَسَميع الدعاء
إذا دخلت [إنّ] على مبتدأ مقترن بلام التوكيد، زُحلِقت اللام فأُخِّرت وجوباً. وقد تحقّق ذلك في الآية، إذ كان الكلام مبتدأً وخبراً: [ربي سميع]. ثمّ أُكِّد بلام الابتداء [لَرَبي سميع]. ثم أُكِّد مرة أخرى بـ [إنّ] فاجتمع أداتا توكيد هما: [إنّ + اللام] وهذا ممتنع. فزُحلقت اللام إلى الخبر: [إنّ ربي لسميع]، على المنهاج. إذ القاعدة أنّهما إذا التقتا زُحلِقت اللام إلى الخبر، اسماً كان الخبر كما جاء هاهنا، أو فعلاً كما يجيء في الآية التالية:
· ]إنّ ربك [ (النحل 16/124)لَيَحكم بينهم
الكلام لو لم يكن قرآناً هو: [ربُّك يَحكم]. ثمّ أُكِّد بلام الابتداء [لَرَبُّك يحكم]. ثم أُكِّد مرة أخرى بـ [إنّ] فاجتمع أداتا توكيد هما: [إنّ + اللام] وهذا ممتنع. فزُحلقت اللام - على المنهاج - إلى الخبر وهو هنا جملة فعلية: [إنّ ربك ليحكم].
· ]إنّ في ذلك لَعِبرةً[ (النازعات 79/26)
الكلام لو لم يكن قرآناً، وقبل التقديم فيه والتأخير والتنكير هو: [العبرة في ذلك]، ثمّ أُكِّد باللام: [لَلْعِبرةُ في ذلك]. ثمّ أُكِّد بـ [إنّ] أيضاً فاجتمع مؤكِّدان هما: [إنّ + اللام] فوجبت زحلقة اللام إلى الخبر وهو شبه جملة: [في ذلك]، فقيل: [إنّ العبرة لفي ذلك]. ثم أريد تقديم الخبر - مع جواز تنكير المبتدأ - فصار النظم: [إنّ لفي ذلك عِبرة] وعاد اجتماع [إنّ + اللام] مرة أخرى، ووجبت الزحلقة فقيل: [إنّ في ذلك لعبرةً].
ومثل ذلك طِبقاً قوله تعالى: ]وإنّ لنا لَلآخرةَ والأولى[ (الليل 92/13). وقد عبّرنا عن ذلك في المتن فقلنا: قد يتقدّم خبر [إنّ] وهو شبه جملة، فلا تتقدّم اللام معه، بل تظلّ على تزحلقها فتلزم اسم [إنّ] المؤخّر.
· ]قل إنّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنّما إلاهكم إلَهٌ واحد[
(الكهف 18/110)
إذا اتصلت [ما] الزائدة، بالأحرف المشبهة بالفعل كفّتها عن العمل فعاد الكلام مبتدأً وخبراً. وفي الآية نموذجان من ذلك: الأول: [إنما أنا بشر]، فقد اتصلت [ما] بـ [إنّ] فكفّتها عن العمل، فعادت كلمة [أنا] مبتدأً، وكلمة [بَشَر] خبراً للمبتدأ. والثاني: [أنما إلاهكم إلهٌ]، والشيء نفسه هنا - ما عدا فتح الهمزة: [أنّ] - فالمبتدأ [إلاهُكم]، والخبر [إلهٌ].
· ]يقول إنّها بقرة صفراء[ (البقرة 2/66)
من القواعد المقرَّرة أنّ همزة [انّ] تُفتَح إذا صحّ أن يُسبَك منها ومما بعدها مصدر، وتُكسَر إذا لم يصحّ ذلك. وعلى هذا يكون كَسْر همزة [انّ] هنا واجباً. إذ لا يصحّ سبك مصدر منها ومما بعدها، فلو قلت: [يقول: صُفرتها] لكان المعنى ناقصاً.
· ]وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء[ (القصص 28/76)
[ما] في الآية اسم موصول وكسر همزة [انّ] بعده واجب. إذ لا يصحّ هنا سبك مصدر منها ومما بعدها، فلا يقال: [آتيناه ما نَوء مفاتحه]، ولو قيل ذلك لكان المعنى ناقصاً.
· ]أَلاَ إنّهمْ هم السفهاء[ (البقرة 2/13)
[أَلاَ]: استفتاحية، فبعدها إذاً كلام مستأنف. والكسر هنا واجب، إذ لا يصحّ سبك مصدر بعد [أَلاَ]، لأنه يَؤُوْل إلى: [أَلاَ سفاهتُهم]، وهذا معنىً ناقص، ولو قيل، لم يكن كلاماً.
· ]وإنْ يكاد الذين كفروا لَيُزلِقونك بأبصارهم[ (القلم 68/51)
[إنْ] مخففة مِن [إنّ] ومتى خُفِّفت أُهمِلت ولزمتها اللامُ الفارقة، ومن هنا أن قيل: [ليزلقونك]. وذلك في العربية كثير جداً. ومنه قوله تعالى:
· ]وإنْ وجدنا أكثرهم لفاسقين[ (الأعراف 7/102)
فـ [إنْ] مخففة، ودخلت اللام الفارقة على [فاسقين].
ومثله من القرآن: ]وإنْ نظنّك لمن الكاذبين[ (الشعراء 26/186)
[إنْ] مخففة، واللام هي الفارقة.
· والآية: ]وإنْ كانت لكبيرة[ (البقرة 2/143)
[إنْ] مخففة، واللام هي الفارقة.
· ومن الشعر قول عاتكة زوجة الزبير، تدعو على قاتله (الخزانة10/378):
شَلَّتْ يمينُك إنْ قتلتَ لَمسلماً حَلَّتْ عليك عقوبةُ المتعمِّدِ
[إنْ] في البيت مخففة، واللام الداخلة على [مسلماً] هي الفارقة. والبيت شاهد على أن اشتراطهم أن يكون الفعل بعد [إنْ] من النواسخ، شرط غير لازم.
· قال النابغة (الأزهية /47):
وإنْ مالِكٌ لَلْمُرتَجَى إنْ تَقَعْقَعَتْ رَحَى الحربِ أو دارتْ علَيَّ خُطوبُ
[إنْ مالِكٌ لَلْمُرتَجَى]: لولا أن يجنح الشاعر إلى التخفيف لقال: [إنّ مالكاً المرتجى]. فيُعمِل [إنّ] فتنصب اسماً وترفع خبراً. ولكنه جنح إلى التخفيف فالإهمال فقال: [إنْ]؛ فـ [مالكٌ] - إذاً - مبتدأ، و[المرتجى] خبر المبتدأ دخلت عليه اللام الفارقة.
· قال الطِّرِمّاح بن حكيم (الجنى الداني /134):
أنا ابنُ أباةِ الضيمِ من آل مالكٍ وإنْ مالكٌ كانت كرامَ المعادِنِ
قول الطرماح:[إنْ مالكٌ كانت...]، فيه نكتة يحسُن أن يتوقّف المرء عندها. وهي أنّ الشاعر استعمل [إنّ] مخففة مهملة فقال: [إنْ مالكٌ]، ومع ذلك لم يأت باللام الفارقة بعدها. والسرّ هنا أنّه يمدح قبيلته، ومدحه لها يمنع من أنْ تكون [إنْ] هي النافية التي تُعَدّ من أخوات [ليس]، لأنّ اعتدادها كذلك يقلب مدحه لقبيلته ذمّاً !! إذ يكون المعنى: [ليست قبيلة مالكٍ كرام المعادن] !!
ولما كانت هذه القرينة مانعة من أن يُظَنّ به إرادة الذم لقبيلته، جنح إلى التخفيف فقال: [إنْ مالكٌ]، مستغنياً بالقرينة، عن الإتيان باللام الفارقة.
· ]إنّ فيها قوماً جبّارين[ (المائدة 5/22)
[قوماً] اسم إنّ وقد تأخر، وتقدّم عليه خبرها، وهو شبه الجملة (الجار والمجرور): [فيها]. والقاعدة أن أخبار الأحرف المشبهة بالفعل لا تتقدم على أسمائها، إلاّ أن يكون الخبر شبه جملة فيجوز.
* * *
عودة | فهرس